في غرفة صماء تُعلّق على جدرانها شهادات الطب والهندسة بإطار ذهبي، يجلس طالب في زاوية مظلمة، يحمل ريشة رسم تكاد تسقط من يديه. أمه تهمس: “ابني الطبيب سيكون فخر العائلة!”، بينما قلبه يصرخ: “أنا فنان!” هكذا أصبح التعليم سجنًا للأحلام، وقفصًا ذهبيًّا تُقدّمه الأسر لأبنائها كـ”هدية”، دون أن تدرك أنها تقتل بداخله إنسانًا.
العائلات.. سجّانو الأحلام:
لم تعد الشهادات مجرد أوراق، بل تحولت إلى “كفن” يلف أحلام الأبناء. في ثقافات تُقدّس المهن التقليدية، يُولد الطفل وفي رقبته دَين: تعويض فشل الأهل، أو إثبات مكانة العائلة. دراسة الهندسة في الهند مثلًا ليست اختيارًا، بل “مصيرًا” مفروضًا على ٧٠٪ من الطلاب (حسب دراسة لـ”تايمز أوف إنديا”).
السؤال الأقسى: ماذا يبقى من الإنسان حين يُجبر على العيش في جسد مهنة ليست منه؟

وسائل التواصل: مسرح التباهي المُزيّف:
أصبح “اللينكد إن” ساحة لمعارك وهمية، حيث يتسابق الجميع لعرض شهادات كـ”جوائز غنيمة”. الصورة النمطية للنجاح صارت: هارفارد في البروفايل، وكتب مزيّفة على الإنستجرام، وإنجازات تُعلن قبل إتمامها. لكن وراء هذه المسرحية، هناك جيل يشعر بالعجز: “أنا لست سيرة ذاتية، أنا إنسان!” كما كتبت الشابة سارة في مدونتها قبل انتحارها بسبب ضغوط الهندسة.
النظام التعليمي: مصنع الببغاوات:
عندما تُكافئ المدارس الحفظَ لا الإبداع، وتُحوّل الطلاب إلى أرقام في اختبارات “SAT”، فإنها تخلق ببغاوات تجيد اجتياز الامتحانات، لكنها عاجزة عن حل مشكلات الحياة. الفيلسوف “إدغار موران” يحذّر: “التعليم الذي يقتل التساؤل ينتج موتى أحياء“.
الرأسمالية: شهادات تُباع بالمزاد:
تحوّلت الجامعات إلى ماركات تجارية، فـ”أكسفورد” مثلًا تكلفة الدراسة فيها تفوق متوسط دخل الفرد العربي بعشر سنوات! الأفظع أن بعض الأسر تبيع أرضها لشراء “شهادة وهمية” من جامعة أجنبية، فقط لتنصيب ابنها “لافتة اجتماعية”. هنا يصبح التعليم سلعةً، والمتلقي مجرد عبوة مُزيّنة.
الخطر ليس في تحوّل التعليم إلى وسيلة تباهي، بل في تحوّلنا إلى مجتمعات تخلط بين “قيمة الإنسان” و”سعر شهادته”. لكن الأمل لا يزال موجودًا: طالب تايلاندي رفض الطب ليكون مُعلم يوغا، وحقق أحلامه. جامعة في فنلندا ألغت الاختبارات لتركّز على الإبداع. التغيير يبدأ حين نتعلم أن الشهادات قد تُعلي الجدران، لكن الأحلام وحدها تبني النجوم.
في فيلم “Dead Poets Society”، يصرخ المُعلّم: “الكلمات والأفكار يمكنها أن تغير العالم!”. ربما حان الوقت لكسر أقفال الشهادات، وإطلاق سراح الأحلام. فالإنسان لا يُقاس بمستواه التعليمي، بل بمدى إنسانيته. كما قال جبران: “الحياة ليست رحلة إلى القبر محملًا بأوراقٍ برّاقة، بل أن تغني وترقص تحت المطر دون خوف من أن تبتل الأوراق“.